بسم الله الرحمن الرحيم
الابتلاء للمؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرجُ الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدّ به لتمام الأجر وعلو المنزلة، ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه.
فهذا الابتلاء والامتحان من تمام نصْرِه وعِزِّه وعافيته، ولهذا كان «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأقرب إليهم فالأقرب يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء وإن كان في دينه رقَّة خُفّف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يَمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة»([1]).
ففي الابتلاءات من الأجور الجزيلات وتكفير السيئات ورفعة الدرجات ووجوب الجنات.. ما يجبر المصيبة ويخفِّف وطأتها.
قال ﷺ: «يقول الله تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صفيَّه من أهل الدنيا ثمَّ احتسَبَه إلا الجنَّة»([2])، وأخرج البخاري عن عائشة : أنها سألت رسول الله ﷺ عن الطاعون، فأخبرها «أنَّه كان عذابًا يبعثه الله تعالى على مَن يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس مِن عبد يقعُ في الطاعون فيمكثُ في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يُصيبه إلا مَا كتبَ اللهُ لَه إلا كانَ له مثْل أجْر الشَّهيْد»([3]).
وفي الصَّحيحين([4]) عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي ﷺ فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي. فقال: «إنْ شئتِ صَبرْتِ ولكِ الجنَّة، وإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تعالى أنْ يُعافِيَك» فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.
وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال: «مَا يصيبُ المسْلِم مِنْ نَصَب، وَلا وصَب، وَلا هَمٍّ، ولا حَزن، ولا أذَى، ولا غمّ، حتَّى الشَّوكة يُشَاكها إلا كفَّر اللهُ بها مِن خَطَايَاه» ([5]).
وقال ﷺ: «مَا من مسْلم يُصيْبُه أذَى، شوكَة فما فَوقَها إلَّا كفَّر اللهُ بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تحطّ الشَّجرة ورقَهَا»([6]).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة.